اثر الفقدان

كان ماراً بإحدى شوارع المدينة , وقد بدت عليه علامات الحزن , شاحب الوجه , مؤرقا شاخص البصر , غير مكترثا بلأخرين , ولا منتبه لأي شخص , يتخبط في المارة بجانبه , يلوح يمنياً ويساراً , في ظل سيارات كثيرة ملئت الشارع , يجر قدميه رغماً عنهما , يدفع بنفسه إلى حافة الطريق , وكلما سمع صوت سيارة , انتبه , وصم أذنه , يتمتم ببعض الكلمات الغريبة
: (صوتك يراودني , ما كان الأمر بيدي, لقد كنت صغيرا!!) ,
, وأستمر في السير لعده دقائق , وبعد برهة من الوقت نظر إلى جانب الطريق فوجد سيده تمسك بإحدى يديها بعض الحقائب , وفى الأخرى طفلها , فأخذ يرقبها ويتابع خطواتها , ومضى على هذه الحالة لعده دقائق , ثم تقدم بنحوها في بطيء , يتفحصها جيدا , وغربت عينيه لفترة ثم انتبه ونظر لها في ابتسامه أضاءت شحوب وجهه وهمس
: أمي أوحشتني يا أمي !, و أخذ في التقدم بنحوها دون ان ينبس , ثم أذاد من سرعته شيئاً فشيء , حتى هرول مسرعاً في صراخ شديد : أحترسِ يا أمي السيارة تتقدم بنحوك ! ,
وما أن أكمل جملته , إلا وانقض بقوه علي تلك السيدة يدفعها بعيداً, فسقطت السيدة وتطايرت حقائبها , وارتمى أبنها على إحدى جوانب الطريق وأرتمي هو إلى الجانب الأخر , ثم قام وصلب نفسه مره أخرى , وتقدم إلى السيدة وأقامها , ونفض عنها أثار ما حدث ثم أخذ يقَبّل يدها وجبينها قائلا: لا تتركي يدي يا أمي مره أخرى انتبهي إلي السيارات! ,
فأخذت السيدة تشد على يديه
: لا عليك يا ولدى ولكن ما كان هناك سيارة !
فنظر لها في غرابه , ثم ترك يدها ومضى ...